المعتقد
الصحيح في توحيد الإلهية
3- ومن جملة اعتقاد أهل السنة : إفرادهم الله تعالى
بالعبودية : فلا يعبدون مع الله إلها آخر ، بل يصرفون جميع الطاعات التي أمر الله
بها أمر إيجاب أو استحباب لله وحده لاشريك له.
فلا يسجدون إلا لله ، ولايطوفون
إلا لله بالبيت العتيق ، ولاينحرون إلا لله ، ولاينذرون إلا لله ، ولايحلفون إلا
بالله ، ولايتوكلون إلا على الله ، ولايدعون إلا الله . وهذا هو توحيد
الألوهية.
قال تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً)
(النساء : 36 )
وقال : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ)
(الإسراء : 23 )
وقال ( َمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً
وَاحِداً)(ا لتوبة : 31 )
وقال : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ
وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة : 5 )
وقال : (وَمَا خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات : 56 )، ومعنى(ِيَعْبُدُونِ):
يوحدون.
ضد التوحيد الشرك بالله:
وضد ذلك : الشرك بالله – أعاذنا الله
منه- وهو اعظم ذنب عصي الله به . قال تعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن
يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ
فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء : 48 )
وقال تعالى : (إِنَّ
اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ
وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً) (النساء : 116
)
وقال تعالى : (حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ
بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي
بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) (الحج : 31 )
وقال تعالى : (وَإِذْ
قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان : 13 )
وبين تعالى أن الشرك محبط
للعمل ، مخرج من ملة الإسلام ، فقال تعالى : (وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم
مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (الأنعام : 88 )
وقال تعالى : (وَلَقَدْ أُوحِيَ
إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر : 65 )
وفي صحيح مسلم
عن جابر بن عبدالله رضى الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من لقي
الله لايشرك به شيئا دخل الجنة ، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار" .
وفى صحيح
البخاري عن ابن مسعود رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من مات
وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار".
من هو المشرك ؟
فمن صرف نوعا
من أنواع العبادة لغير الله فهو مشرك كافر.
الدعاء لايصرف إلا
لله:-
فالدعاء عبادة أمر الله بها ، فمن دعا الله وحده فهو موحد، ومن دعا غير
الله فقد أشرك.
قال تعالى : (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ
وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ) (يونس : 106
)
وقال تعالى : (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ
لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)
(المؤمنون : 117 )
وقال تعالى : (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا
مَعَ اللَّهِ أَحَداً) (الجن : 18 ) (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ
يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) (الجن : 19 ) (قُلْ إِنَّمَا
أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) (الجن : 20 )
وقال تعالى :
(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ
لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا
هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ) (الرعد : 14
)
وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ
شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (النحل : 20 ) (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا
يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النحل : 21 )( ملاحظة: فى الكتاب خطا مطبعي حيث
انه مكتوب انها سورة النمل وهي أية من سورة النحل)
وقال تعالى : (فَلَا
تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) (الشعراء : 213
)
وقال تعالى : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي
اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا
يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ) (فاطر : 13(إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ
وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ
بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (فاطر : 14 )
وقال تعالى :
(وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ
بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ
مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ
الْمُتَوَكِّلُونَ) (الزمر : 38 )
وقال تعالى :
(قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا
تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ
شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ
مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (الأحقاف : 4
(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن
يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ
وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) (الأحقاف : 5 ) (وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ
كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) (الأحقاف : 6
)
وثبت فى السنن عن النعما ن بن بشير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " الدعاء هو العبادة" .
الخصومة بين الرسل وقومهم فى هذا
التوحيد:-
وهذا التوحيد – توحيد الألوهية- هو الذي وقعت فيه الخصومة بين
الرسل وأممهم.
أرسلت الرسل من أجل هذا التوحيد:-
وهوالذي أرسل من اجل
بيانه والدعوة إليه, وأنزل الكتب فى تقريره وتوضيحه والإحتجاج له . كما قال تعالى:
(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ
وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) (النحل : 36 )
وقال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا
مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا
فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء : 25 )
وقال تعالى: (يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ
بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ
أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ) (النحل : 2 )
وافتتح به الرسل
دعوة قومهم إلى الله ، فكل رسول يقول لقومه : (عْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ
إِلَـهٍ غَيْرُهُ) (الأعراف : 59، 65، 73، 85 )، قالها : نوح ، وهود ، وصالح، وشعيب
، وكل رسول – صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.
قال تعالى : (وَإِبْرَاهِيمَ
إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن
كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (العنكبوت : 16 )(إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ
أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ
لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ
وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (العنكبوت : 17 ).
وقال تعالى عن
نبيه يوسف عليه السلام :
(يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ
خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (يوسف : 39 ) (مَا تَعْبُدُونَ مِن
دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ
بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ
إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ
يَعْلَمُونَ) (يوسف : 40 )
ليس للمشركين حجة فى شركهم:-
وليس للمشركين
مستند في شركهم ، ولامن عقل صحيح ، ولا من نقل عن المرسلين. قال تعالى:
(وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن
دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) (الزخرف : 45 ). والمعنى : أنه لايوجد أحد
من المرسلين دعا إلى عبادة آلهة مع الله ، بل كلهم من اولهم إلى آخرهم يدعون إلى
عبادة الله وحده لاشريك له.
ونبه الله عز وجل إلى دليل عقلي يبطل شرك
المشركين،
فقال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ
أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ
اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ
صَادِقِينَ) (الأحقاف : 4 ).
فهذا دليل عقلي قاطع على أن كل من سوى الله فعبادته
باطلة، إذ لم يخلقوا شيئا ، ولم يكن لهم معاونة على خلق شىء، وإنما الله وحده
المتفرد بذلك ، فلم عبادتهم إذن؟؟ ثم نفى الله أن يكون للمشركين دليل من النقل عن
الكتب المنزلة أو الرسل المرسلة فيما ذهبوا إليه من الشرك. فبان أن لاحجة للمشركين
مطلقا ، فكانوا من الخالدين فى نار جهنم وبئس المصير.
ومما تقدم يعلم أن هذا
التوحيد هو أول الواجبات واهم المهمات ، وهو الذي لايقبل الله من أحد دينا
سواه.