قصيدة أمى فلسطين وهى واقعة حقيقية رواها صاحبها وهو الششيخ القرضاوى ولنقرأ معا : أمى فلســــطين : يقول القرضاوي :
لقيته غلاماً لم يبلغ الحلم، قد فر من خيام اللاجئين باكياً حزيناً حانقاً.. فكان بيني وبينه حوار سجلته في هذه القصيدة..
رأيته مطـرقاً يبكـى فأبكانـــــــــــــــــي=وهاج من قلبي المكلوم أشجانــــــــــي
في زهرة العمـــر إلا أن دهـــــــــرك لا=يرعى الشيُّوخ ولا يرثى لصبيـــــــــــــان
في نضـــرة الغصن إلا أن عاصـــــــــفة=هبَّت سمومـاً فأمسى غـير فينـــــــــان
تعــلوه مسحة عز سالـــــف غُشيـــــت=من طول ما ذرفت للدَّمع عينــــــــــــــان
بكى فكادت له نفسي تذوب أســــــــى=كــــأن راميــه بالســهم أصمـــــانــــــي
دنـــوت منــه أحاكيــــــه وأسـالــــــــــه=عــلّــِى أُواســى جــراح المثقل العانــي
سألت:ما اسمك؟قال اسمي يدُّل على=معنـى غريـب عـلــى مثلــى: أنا هانــي
قـبَّلتـــه بين عينـيـــــــه وقلــــت لــــه:=هـــوِّن عليــك وإنــي خيــر معـــــــــــوان
يــا ناعم الظُفرِ يا بن العــزِّ، مــــــالك لا=تكـــــفُّ عن مدمع كالغيث هتَّـــــــــــــان
مـاذا دهاك؟ احكِ لي،علّ الحديثَ معي=مجفِّفٌ عنــك بعض المدمع القـانـــــــــي
حكى الغلامُ كـــــأنَّ الله يلهمُــــــــــــه=إلهـــامَ يحيــى صبيــــاً أو سـليمــــــــان
إن شئت يا عمُّ فاسمع قصةً عجبـــــــاً=وإن تـكــن عُــرفت للقــاص والدانــــــــي
يـا عمُّ، إنــِّي غصنٌ لا حيــــاة لـــــــــه=قُطــعتُ بالغـدر عن أصلـى وسـيقانــــي
فقدت روحي أمِّــي، والحـبيب أبـــــــي=فقــدتُ أهلــي وأرحامــي وجــيرانــــي
واللاَّعبـون معي في شارعـي ذهبــوا=موتى استراحوا، وموتى شأنهم شانــي
لقد تفرَّق أهـل الحــي فـــي بلـــــــدٍ=إلـــى الكــــهوف بـأقطــارٍ وبلـــــــــــدان
فقدتُـهم ، ففقـدتُ العـيـشَ بعد همـو=كـيــف الـحيــــاةُ بــلا أهـــل وخـــــلان؟!
كيف الحيـاةُ لعصفـورٍ ببـــــاديـــــــــــةٍ=ولا ألـــيــفَ ، وقــد هيــض الجنــاحـــان؟!
فقـدت كل عزيـز لــي ، فـــــلا وطــــنٌ=ولا حــــبــيــــبٌ ، ولا دارى وبستانــــــي
دار الجــدود التــي فيـها صبــاي ربــــا=وطــالمــا وسـعــت لعبــي وإخوانـــــــي
لقد شهدتُ أبي والموتُ يصرعـــــــــه=ولم يجد مُسعفاً من قلـــبِ إنســــــــان
نادى: بنىّ اسقني فالصدر ملتهـــــبٌ=فقلت: نفسي الفدا للوالـد الحانـــــــي!
ناولتـــه المــاء أسفيه . فقـبَّـلنــــــي=وأســلم الــروح فــي ظهـر وإيمــــــــان!
يا عمُّ مات أبي في خيــر معركــــــةٍ=ومـــا بكــيتُ عليــــه مثـــل أوطـانــــــــي
قد مـات يدفـعُ عن أرض وعن شــرفٍ=لـــصــــوص أرضٍ وأعــــراضٍ وأديــــــــان
مـا مــات ، بل هو عنـــد الله ألمحـــُه=فــي الخــلد يــســرح طيراً بين أفنــــــان
ياعمُّ ذي هي مأساتي التي قصفت=عــودي كمــا عصـفت مثلــي بعيـــــــدان
مأساة شعب غدا يحيـا بــلا وطـــــن=والـلــــص يمــــرح فيــه غيـــر خزيـــــــان
أراد أهـل العمـى أن يقسموا امـرأة=مـــا بيـــن زوج وعــــاد غــاصــب ثــــــان!
فهــل تســوِّغ هذا شرعة عرفــــت؟=أم هــل يصــدِّق هـذا عــقل إنســـــان؟
مسحتُ دمع الفتى الباكي وقلتُ له:=سمعــتُ منــكَ ، فخذ فكري و وجدانـــي
ُبنَّى جُرحُك في قلبـي يسيلُ دمــــاً=فارحم صبــاك ، فمــا أشجــاك أشجانـــي
جرحُ العروبة والإســلام فــي بـلــــد=الإســراء لـم يختلــف فــي شــأنه اثنـــان
فـلا تظَّنــك غُـصناً لا أصـــول لــــــه=فقــد شــددت إلــى أصــلٍ وأغصـــــــــان
لا تـأس أن عشــتَ بعدالأهلِ منفرداً=فكلنــــــا لــك ذاك الـــولــد الحانــــــــــــي
وكــل أزواجنــا أمُّ بهـــــــا شغـــــــفٌ=لـتـفـتـديــك بــــروح قبــــل جثمـــــــــــان
ودارُنا لــك دارٌ لـــو رضـيـتُ بـــنـــــــا=أهـــلاً بــأهــل، وإخـــوانــاً بإخــــــــــــوان
فإن تعيــش أنت والأهلوان قد رحلوا=ففيــك ســرُّ بقـــاء الشعــب يــا هانــــي
قــد عشت حقاً لأمر لا خفــــاء بـــه=وحــكمــــة اللــه تخفـــى بعض أحيـــــــان
قــد عشـت للنصــر بالإصرار تغرسُه=فتــجتنـيــــــه ثــمــــــاراً ذات ألــــــــوان
فاخلع ثياب الأســى واليـأس مـرتدياً=ثوب الجهــــاد نشيــطــاً غيـــر كســــلان
تعلم الحرب في ســـرٍّ وفـي علــن=فــوق الــجبــال وفـــى سـهـل ووديـــــان
واجمــع رفاقـك وانفخ في عزائمهم=مـمـــا بـــصـــدرك من عـــزم وإيقــــــــــان
وقــل لصهيــون : لسنا أمةً همجـــاً=تمضــى سفينتـهــا مــن غيــر رُبِّـــــــــان
وقــل لمن حسبونــا قطعـةً نُظمــت=مــن غيــــر قــــافيـــة مــن غيــــر أوزان
معـــاذ ربــي أن تنحـلَّ عـــروتُنـــــــا=أو أن نـتـيــــــــه وفينـــــــا نـــــورُ قـــــرآن
تهلل الناشئُ الباكـي وقـال : أجــــل=يا عــمـُّ إنـّـِي فــي أهـلـــي وأوطانــــي
يا عمُّ أحييت من عزمــي ومن ثقتــي=هبنـي يمينـــــــاً أقبلهـــــا بشـكــــــران
اليـــأسُ كفـــر إذا ما حل صدر فتــــى=والحمـــد للــه قــد جــدَّدت إيمانـــــــي
جعلـــت مــنِّى إنســاناً له هـــــــدف=وكــنــت مــن قبــلُ أحيــا بعض إنســان
إنــي أحــسُّ لماذا عشـــتُ بعد أبـي=ولــم أمــت مــع أهلـــــي مثل أقرانـــي
إني حييـــت لـيـــوم لا مـــــرد لـــــه=للثـــأر، للــدم، لاستـــرداد أوطانـــــي
لأستعيـــد فلسطينـــاً كمــا غصبــت=بــــالــــدم لا بــــدمـــوعٍ أو بتحنـــــــان
لأزرع الأرض ألـغــامــاً أفجـــــرهــــــا=نـــاراً على من بهـا بالأمس أصلانـــــي
لأحمــــل المـــدفـــع الجبـار أُطلِقُـــه=في صــدر من قتـلوا أهلي وإخــوانـــي
لأنـــزع الـــدار والأرض الـــتي نهبـوا=من كــــلِّ لــصٍّ ونهــــــاب وخــــــــــــوان
لأرجـــع القبـلـــة الأولــى مطهــرة=من كـــل قـــرد وخنـــزيـــر وشيــطــــــان
لأستــــرد ثغـــور الأمــس ضـاحكـة=جيفــــــا ويـافـــــا وعكــــا روح بلدانــــي
لكـــي تـعــود تــدوي فــي مآذنهــا=(اللـــــه أكبـــــــر) مــن آن إلــــــــــى آن
أمـي فلسطين لا تأسي ولا تـهنـي=إنـــا سـنفـــديــك مــــن شيـبٍ وشبـــان
سنـرخص المـوت بالأرواح نبـذلهــــا=سنعمــل السيـــف فــــي سـرٍّ وإعــلان
إذا انتــصرنا ففـي عـزٍّ ومـكرمــــــة=وإن قُـتــلنــا ففــي جنــاتــــا رضــــــوان !