الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:لما كان للحج ثمرة عظيمة تتجلى في كون الله عز وجل جعله سببًا لتكفير السيئات ومغفرة الذنوب، إذ قال صلى الله عليه وسلم: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه"، وقال صلى الله عليه وسلم: "الحج إلى الحج كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر".
ولما
كانت صحة العبادة مبنية على الإخلاص لله تعالى واتباع نبيه ؛ كان لزامًا
على المسلم الحريص على أداء عباداته أن يراعي هذين الأصلين حق رعايتهما،
حتى تكتمل له عبادته، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، وقال: {لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7]. إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة في هذا الشأن.
ولما
كان الحج إلى بيت الله الحرام ركنًا من أركان الإسلام الخمسة على القادر
المستطيع، بيَّنه صلى الله عليه وسلم بيانًا شافيًا بقوله وفعله وتقريره،
وكان أصحابه رضوان الله عليهم يرقبون نبيهم ، ليقتدوا به؛ اتباعًا لقوله:
صلى الله عليه وسلم "خذوا عني مناسككم"[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط].
ونقلوا
إلينا ذلك أتم نقل، وبينوه أكمل بيان، ومع هذا البيان والإيضاح كله جنح
بعض الناس إلى مخالفة الهدي النبوي، إما بتفريط في فضيلة، أو بوقوع في بدعة
ومعصية، وكان من أسباب ذلك: الجهل، أو الاستحسان العقلي، أو تقليد غير أهل
العلم الموثوق بعلمهم.
الأخطاء في الإحرام
1- بعض الحجاج
القادمين عن طريق الجوِّ يؤخرون الإحرام حتى ينزلوا في مطار جُدَّة،
فيحرموا منه أو من دونه مما يلي مكة، وقد تجاوزوا الميقات الذي مروا به في
طريقهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم في المواقيت: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن"،
فمن مرَّ بالميقات الذي في طريقه أو حاذاه في الجو أو في الأرض، وهو يريد
الحج والعمرة وجب عليه أن يحرم منه، فإن تجاوزه وأحرم من دونه، أثم وترك
واجبًا من واجبات النسك يجبره بدم. وجُدَّة ليست ميقاتًا لغير أهلها ومن
نوى النسك منها.
2- بعض الحجاج إذا أحرموا أخذوا لهم صورًا تذكارية يحتفظون بها، ويطلعون عليها أصدقاءهم ومعارفهم، وهذا خطأ من ناحيتين:
أولاً:
أن التصوير في حد ذاته حرام ومعصية للأحاديث الواردة في تحريمه والوعيد
عليه، والحاج في عبادة، فلا يليق به أن يفتتح هذه العبادة بالمعصية.
ثانيًا:
أن هذا يدخل في الرياء؛ لأن الحاج إذا أحب أن يطلع الناس عليه وعلى صورته
وهو محرم، فإن هذا رياء والرياء يحبط العمل، وهو شرك أصغر، وهو من صفات
المنافقين.
3- يظن بعض الحجاج أنه يجب على الإنسان إذا أراد أن يحرم
أن يحضر عنده كل ما يحتاجه من الحذاء والدراهم وسائر الأغراض، ولا يجوز له
أن يستعمل الأشياء التي لم يحضرها عند الإحرام، وهذا خطأ كبير وجهل فظيع؛
لأنه لا يلزمه شيء من ذلك، ولا يحرم عليه أن يستعمل الحوائج التي لم يحضرها
عند الإحرام، بل له أن يشتري ما يحتاج إلى شرائه، ويستعمل ما يحتاج إلى
استعماله، وأن يغيِّر ملابس الإحرام بمثلها، وأن يغير حذاءه بحذاء آخر، ولا
يتجنب إلا محظورات الإحرام المعروفة.
4- بعض الرجال إذا أحرموا
كشفوا أكتافهم على هيئة الاضطباع، وهذا غير مشروع إلا في حالة الطواف (طواف
القدوم، أو طواف العمرة)، وما عدا ذلك يكون الكتف مستورًا بالرداء في كل
الحالات.
5- بعض النساء يعتقدن أن الإحرام يتخذ له لون خاص، كالأخضر
مثلاً، وهذا خطأ؛ لأنه لا يتعين لون خاص للثوب الذي تلبسه المرأة في
الإحرام، وإنما تحرم بثيابها العادية، إلا ثياب الزينة أو الثياب الضيقة أو
الشفافة، فلا يجوز لها لبسها لا في الإحرام ولا في غيره.
6- بعض
النساء إذا أحرمن يضعن على رءوسهن ما يشبه العمائم، أو الرافعات لأجل غطاء
الوجه حتى لا يلامس الوجه، وهذا خطأ وتكلف لا داعي له ولا دليل عليه؛ لأن
في حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النساء كن يغطين وجوههن عن الرجال وهن
محرمات، ولم تذكر وضع عمامة أو رافع، فلا حرج في لمس الغطاء للوجه.
7-
بعض النساء إذا مرت بالميقات تريد الحج أو العمرة وأصابها الحيض، قد لا
تحرم ظنًّا منها أو من وليِّها أن الإحرام يشترط له الطهارة من الحيض،
فتتجاوز الميقات بدون إحرام، وهذا خطأ واضح؛ لأن الحيض لا يمنع الإحرام،
فالحائض تحرم وتفعل ما يفعل الحاج غير الطواف بالبيت، فإنها تؤخره إلى أن
تطهر، كما وردت به السُّنَّة، وإذا أخرت الإحرام وتجاوزت الميقات بدونه،
فإنها إن رجعت إلى الميقات وأحرمت منه، فلا شيء عليها، وإن أحرمت من دونه
فعليها دم؛ لترك الواجب عليها.
الأخطاء في الطواف
1- كثير من
الحجاج يلتزم أدعية خاصة في الطواف يقرؤها من مناسك، وقد يكون مجموعات
منهم يتلقونها من قارئ يلقنهم إياها ويرددونها بصوت جماعي، وهذا خطأ من
ناحيتين:
الأولى: أنه التزم دعاء لم يرد التزامه في هذا الموطن؛ لأنه لم يرد عن النبي في الطواف دعاء خاص.
الثانية: أن الدعاء الجماعي بدعة، وفيه تشويش على الطائفين، والمشروع أن يدعو كل شخص لنفسه بدون رفع صوته.
2-
بعض الحجاج يقبِّل الركن اليماني، وهذا خطأ؛ لأن الركن اليماني يستلم
باليد فقط ولا يقبل، وإنما يقبل الحجر الأسود، فالحجر الأسود يستلم ويقبل
إن أمكن، أو يشار مع الزحمة إليه، والركن اليماني يستلم ولا يقبل ولا يشار
إليه عند الزحمة، وبقية الأركان لا تستلم ولا تقبل.
3- بعض الناس
يزاحم لاستلام الحجر الأسود وتقبيله، وهذا غير مشروع؛ لأن الزحام فيه مشقة
شديدة وخطر على الإنسان وعلى غيره، وفيه فتنة بمزاحمة الرجال للنساء.
والمشروع تقبيل الحجر واستلامه مع الإمكان، وإذا لم يتمكن أشار إليه بدون
مزاحمة ومخاطرة وافتتان، والعبادات مبناها على اليسر والسهولة، لا سيما وأن
استلام الحجر وتقبيله مستحب مع الإمكان، ومع عدم الإمكان تكفي الإشارة
إليه، والمزاحمة قد يكون فيها ارتكاب محرمات، فكيف ترتكب محرمًا لتحصيل
سنة؟!
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]الأخطاء في التقصير من الرأس للحج أو العمرة
بعض
الحجاج يكتفي بقص شعيرات من رأسه، وهذا لا يكفي ولا يحصل به أداء النسك؛
لأن المطلوب التقصير من جميع الرأس، لأن التقصير يقوم مقام الحلق، والحلق
لجميع الرأس، فكذا التقصير يكون لجميع الرأس، قال تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ} [الفتح: 27]، والذي يقصر بعض رأسه لا يقال إنه قصّر رأسه، وإنما يقال قصر بعضه.
الأخطاء في الوقوف بعرفة
1-
بعض الحجاج لا يتأكد من مكان الوقوف ولا ينظر إلى اللوحات الإرشادية
المكتوب عليها بيان حدود عرفة، فينزل خارج عرفة، وهذا إن استمر في مكانه
ولم يدخل عرفة أبدًا وقت الوقوف لم يصح حجه، فيجب على الحجاج الاهتمام بهذا
الأمر والتأكد من حدود عرفة؛ ليكونوا داخلها وقت الوقوف.
2- يعتقد
بعض الحجاج أنه لا بد في الوقوف بعرفة من رؤية جبل الرحمة أو الذهاب إليه
والصعود عليه، فيكلفون أنفسهم عنتًا ومشقة شديدة، ويتعرضون لأخطار عظيمة من
أجل الحصول على ذلك، وهذا كله غير مطلوب منهم، وإنما المطلوب حصولهم في
عرفة في أي مكان منها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وعرفة كلها مواقف، وارفعوا عن بطن عرنة", سواء رأوا الجبل أو لم يروه. ومنهم من يستقبل الجبل للدعاء، والمشروع استقبال الكعبة.
3-
بعض الحجاج ينصرفون ويخرجون من عرفة قبل غروب الشمس، وهذا لا يجوز لهم؛
لأن وقت الانصراف محدد بغروب الشمس، فمن خرج من عرفة قبله ولم يرجع إليها
فقد ترك واجبًا من واجبات الحج، ويلزمه به دم مع التوبة إلى الله؛ لأن
الرسول ما زال واقفًا بعرفة حتى غروب الشمس، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
"خذوا عني مناسككم".
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]أخطاء الحجاج بمزدلفة
المطلوب
من الحاج إذا وصل إلى مزدلفة أن يصلي المغرب والعشاء جمعًا ويبيت فيها،
فيصلي بها الفجر ويدعو إلى قبيل طلوع الشمس، ثم ينصرف إلى مِنًى، ويجوز
لأهل الأعذار - خاصة النساء وكبار السن والأطفال ومن يقوم بتولي شئونهم -
الانصراف بعد منتصف الليل. ولكن يحصل من بعض الحجاج أخطاء في هذا النسك؛
فبعضهم لا يتأكد من حدود مزدلفة ويبيت خارجها، وبعضهم يخرج منها قبل منتصف
الليل ولا يبيت فيها، ومن لم يبت بمزدلفة من غير عذر فقد ترك واجبًا من
واجبات الحج، يلزمه به دم جُبران مع التوبة والاستغفار.
أخطاء الحجاج في رمي الجمرات
رمي
الجمرات واجب من واجبات الحج، وذلك بأن يرمي الحاج جمرة العقبة يوم العيد،
ويجوز بعد منتصف الليل من ليلة العيد، ويرمي الجمرات الثلاث في أيام
التشريق بعد زوال الشمس، لكن يحصل من بعض الحجاج في هذا النسك أخطاء،
وبيانها كما يلي:
1- فمنهم من يرمي في غير وقت الرمي، بأن يرمي جمرة
العقبة قبل منتصف الليل في ليلة العيد، أو يرمي الجمرات الثلاث في أيام
التشريق قبل زوال الشمس، وهذا الرمي لا يجزئ؛ لأنه في غير وقته المحدد له،
فهو كما لو صلى قبل دخول وقت الصلاة المحدد لها.
2- ومنهم من يخلّ بترتيب الجمرات الثلاث، فيبدأ من الوسطى أو الأخيرة، والواجب أن يبدأ بالصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى وهي الأخيرة.
3-
ومنهم من يرمي في غير محل الرمي وهو حوض الجمرة، وذلك بأن يرمي الحصى من
بُعد فلا تقع في الحوض، أو يضرب بها العمود فتطير ولا تقع في الحوض، وهذا
رمي لا يجزئ؛ لأنه لم يقع في الحوض، والسبب في ذلك الجهل والعجلة أو عدم
المبالاة.
4- ومنهم من يقدم رمي الأيام الأخيرة مع رمي اليوم الأول
من أيام التشريق ثم يسافر قبل تمام الحج، وبعضهم إذا رمى لليوم الأول يوكل
من يرمي عنه البقية ويسافر إلى وطنه، وهذا تلاعب بأعمال الحج وغرور من
الشيطان، فهذا الإنسان تحمل المشاق وبذل الأموال لأداء الحج، فلما بقي عليه
القليل من أعماله تلاعب به الشيطان فأخلّ بها وترك عدة واجبات من واجبات
الحج، وهي رمي الجمرات الباقية، وترك المبيت بمنى ليالي أيام التشريق،
وطوافه للوداع في غير وقته؛ لأن وقته بعد نهاية أيام الحج وأعماله.
فهذا لو لم يحج أصلاً وسَلِم من التعب وإضاعة المال لكان أحسن؛ لأن الله تعالى يقول: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [البقرة: 196].
ومعنى إتمام الحج والعمرة إكمال أعمالهما لمن أحرم بهما على الوجه المشروع، وأن يكون القصد خالصًا لوجه الله تعالى.
5- من الحجاج من يفهم خطأ في معنى التعجل الذي قال الله تعالى فيه: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203].
فيظن
أن المراد باليومين يوم العيد ويوم بعده، وهو اليوم الحادي عشر، فينصرف في
اليوم الحادي عشر ويقول: "أنا متعجل"، وهذا خطأ فاحش سببه الجهل؛ لأن
المراد يومان بعد يوم العيد، هما اليوم الحادي عشر والثاني عشر، ومن تعجل
فيهما فنفر بعد أن يرمي الجمار بعد زوال الشمس من اليوم الثاني عشر فلا إثم
عليه، ومن تأخر إلى اليوم الثالث عشر فرمى الجمار بعد زوال الشمس فيه ثم
نَفَر، فهذا أفضل وأكمل.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(من رسالة: بيان ما يفعله الحاج والمعتمر)