الإمام الحسن البصري
كان الحسن البصري علماً من أعلام السلف رحمة الله عليهم، وعالماً من علمائهم، وكان كلامه يشبه كلام الأنبياء، تشرب العلم حتى نطق بالحكمة، وصار حليف الخوف والحزن، وأليف الهم والشجن، وعديم النوم والوسن، وكان فقيهاً زاهداً مشمراً عابداً رحمه الله تعالى.
بين يدي ترجمة الإمام الحسن البصري
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فمع أحد العلماء العاملين، والأئمة التابعين، الإمام الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء، تشرب بالعلم حتى نطق بالحكمة، وصفه أبو نعيم فقال: ومنهم حليف الخوف والحزن، أليف الهم والشجن، عديم النوم والوسن، أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن، الفقيه الزاهد، المشمر العابد، كان لفضول الدنيا وزينتها نابذاً، وشهوة النفس ونخوتها واقذاً.
ووصفه الزهري فقال: مناقبه كثيرة، ومحاسنه غزيرة، كان رأساً في العلم والحديث إماماً مجتهداً كثير الاطلاع، رأساً في القرآن وتفسيره، رأساً في الوعظ والتذكير، رأساً في الحلم والعبادة، رأساً في الزهد والصدق، رأساً في الفصاحة والبلاغة، رأساً في الأيد والشجاعة.
كان رجلاً مليحاً تام الشكل حسن الصورة، طال عمره في العلم والعمل، فقال ابنه: عاش أبي ثماني وثمانين سنة.
عصمه الله عز وجل من الفتن، فلم يخف في فتنة ابن الأشعث، وسلك مسلك الورع، فكان ينهى عن الانضمام إليه، وكذا إلى جيش الحجاج، فأمر باعتزال الجميع، وهذا هو الواجب على المسلم في الفتن.
وكان يرى الحجاج الثقفي عقوبة من الله عز وجل، ومع ذلك يدعو إلى اللجوء إلى الله عز وجل وعدم اللجوء إلى السلاح؛ فإنهم إذا لجئوا إلى الله عز وجل جعل لهم من ظلم الظالمين فرجاً ومخرجاً، وإذا لجئوا إلى السلاح والخروج عليهم وكلوا إليه، فلا يغني عنهم شيئاً، فما أحوج المسلمين إلى معرفة أخباره والانتفاع بآثاره! الحسن البصري كان يشبه الأنبياء في سمته وهيئته، وحسنه، وحسن كلامه.
نسب الإمام الحسن البصري ومولده وصفته
اسمه: الحسن بن أبي الحسن وأبوه اسمه يسار البصري أبو سعيد مولى زيد بن ثابت، ويقال: مولى جابر بن عبد الله، ويقال: مولى جميل بن قطبة بن عامر بن حديدة، ويقال: مولى أبي اليسر وأمه خيرة مولاة أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال: إن يساراً والد الحسن من بيسان.
مولده: ولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
صفته: قال محمد بن سعد: كان الحسن رحمه الله جامعاً عالماً رفيعاً فقيهاً ثقة حجة مأموناً عابداً ناسكاً، كثير العلم، فصيحاً جميلاً وسيماً.
وقال الذهبي: كان رجلاً تام الشكل، مليح الصورة، بهياً، وكان من الشجعان الموصوفين.
وعن العوام بن حوشب قال: ما أشبه الحسن إلا بنبي؛ لأن الأنبياء أكمل الناس خَلقاً وخُلقاً، وأحسن الناس كلاماً.
وعن شعبة قال: رأيت الحسن وعليه عمامة سوداء.
وعن عاصم بن سيار الرقاشي قال: أخبرتني أمة الحكم قالت: كان الحسن يجيء إلى حطان بن عبد الله فما رأيت شاباً قط كان أحسن وجهاً منه.
ثناء العلماء على الإمام الحسن البصري
عن أبي بردة قال: ما رأيت أحداً أشبه بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم منه.
وعن حميد بن هلال قال: قال لنا أبو قتادة: الزموا هذا الشيخ، فما رأيت أشبه رأياً بـ عمر منه.
يعني: الحسن.
وعن أنس بن مالك قال: سلوا الحسن؛ فإنه حفظ ونسينا.
فإذا أحال الصحابة على الحسن فهذا يدل على تمكنه في العلم.
وعن أيوب قال: كان الحسن يقول: إن المؤمن يصبح حزيناً ويمسي حزيناً وينقلب باليقين في الحزن ويكفيه ما يكفي العنيزة.
وعن محمد بن جحادة عن الحسن قال: ذهبت المعارف، وبقيت المناكير -يعني: ذهبت الأشياء الطيبة، وبقيت المناكير، والمناكير: جمع منكر- ومن بقي من المسلمين فهو مغموم.
يقول: هذا في زمن فاضل، زمن التابعين، فكيف بهذه الأزمنة المتأخرة؟!
علم الإمام الحسن البصري رحمه الله
قال قتادة: كان الحسن من أعلم الناس بالحلال والحرام.
وعن بكر بن عبد الله المزني قال: من سره أن ينظر إلى أفقه من رأينا فلينظر إلى الحسن.
وعن أبي هلال قال: كنت عند قتادة فجاء الخبر بموت الحسن، فقلت: لقد غمس في العلم غمساً.
قال قتادة: بل نبت فيه وتحقبه وتشربه، والله! لا يبغضه إلا حروري.
وهذه علامة أن أهل البدعة يبغضون أهل السنة.
وعن حجاج بن أرطأة قال: سألت عطاء عن القراءة على الجنازة؟ قال: ما سمعنا ولا علمنا أنه يقرأ عليها، قلت: إن الحسن يقول: يقرأ عليها، قال عطاء: عليك بذاك، ذاك إمام ضخم يقتدى به.
وعن أبي سعيد بن الأعرابي قال: كان عامة من ذكرنا من النساك يأتون الحسن، ويسمعون كلامه، ويذعنون له بالفقه في هذه المعاني خاصة، وكان عمرو بن عبيد وعبد الواحد بن زيد من الملازمين له، وكان له مجلس خاص في منزله لا يكاد يتكلم فيه إلا في معاني الزهد والنسك وعلوم الباطن؛ فإذا سأله إنسان غيرها تبرم به، وقال: إنا خلونا مع إخواننا نتذاكر.
فأما حلقته في المسجد فكان يمر فيها الحديث والفقه وعلوم القرآن واللغة وسائر العلوم، وكان ربما يسأل عن التصوف فيجيب، وكان منهم من يصحبه للحديث، ومنهم من يصحبه للقرآن والبيان، ومنهم من يصحبه للبلاغة، ومنهم من يصحبه للإخلاص وعلم الخصوص كـ عمرو بن عبيد وأبي جهيم، وعبد الواحد بن زيد وصالح المري شميط وأبي عبيدة الناجي وكل واحد من هؤلاء اشتهر بحال في العبادة، ولكن عمرو بن عبيد اعتزل مجلس الحسن وصار من أئمة المعتزلة.
وعن خالد بن رباح أن أنس بن مالك سئل عن مسألة فقال: عليكم بمولانا الحسن، فقال: إنا سمعنا وسمع، فحفظ ونسينا.
وعن قتادة قال: دخلنا على الحسن وهو نائم، وعند رأسه سلة، فجذبناها فإذا خبز وفاكهة فجعلنا نأكل، فانتبه فرآنا فسره فتبسم وقرأ: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور:61]، لا جناح عليكم.
يعني: لا جناح على الإنسان أن يأكل من بيت صديقه بغير إذنه.